منتدى نجم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
لقاء آخر.. Emptyالرئيسية1أحدث الصورالتسجيلالدردشة الصوتيةلوحة مفاتيح عربية دخول

 

 لقاء آخر..

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Soufian
المدير العام للمنتدى
المدير العام للمنتدى
Soufian


ذكر عدد الرسائل : 100
العمر : 33
تاريخ التسجيل : 02/11/2008

لقاء آخر.. Empty
مُساهمةموضوع: لقاء آخر..   لقاء آخر.. Icon_minitimeالأحد 01 فبراير 2009, 8:11 am

لقاء آخر..


الشمس في وداع أحمر نحو الجبال, والقمر في ترقب صامت. خطان طوليان يمتدان أمام أب وابنه, صمت حزين يلفهما, يقطعه الأب في تساؤل ملهوف:
" أمتأكد من قرارك..بني.."
الابن بايماءة مقتضبة مرتبكة يجيب والده. تنهد, الأب, في حزن, ثم راح يتأمل السماء التي ودعت ألوانها الطيفية لترزح تحت سدائل الليل الداكنة. ملامحه تعكس آلام لا حصر لها, أطلق تنهيدة حارة, وهو يقاوم في صعوبة دمعة ساخنة تود الفرار خارج مقلتيه. استبدت به الحيرة, شعور مقيت من القهر ينهش صدره دون هوادة, احساس العجز وانعدام الحيلة, الاستسلام للأمر الواقع دون وسيلة لردعه, من أصعب ما قد يواجه المرء في حياته..
توقف فجأة, ناظرا في يأس لولده العاق الصامت:
"بني..بالله عليك..أتعي حقا ما أنت مقبل عليه؟.."
الابن في عناد غير عابئ بوالده المرتجف من فرط الألم, قال:
"نعم يا والدي..وأنا مصر على قراري.."
آآه..ندت من أعماقه كلهيب بركان ثائر مائر بالحمم, ثم أمسك كتفيه في تضرع:"هناك..لن تجد سوى المعاناة..الحياة صعبة..والغربة أصعب..وأنت, شاب يافع في عمر الزهرة, لاتعرف من الحياة سوى القشور, لا تعي دسائسها ولا مطباتها العديدة, أنا..خبرت معظمها, صارت لي مناعة الحياة بحكم التجربة, قاسيت ..نعم, لأنه لم يكن لي الخيار, أما أنت..فبلى, لك هذا الترف, فلما تعاند وتعاكس؟.."
في عناد غاضب هذه المرة:
آه منك يا والدي..ها قد عدت لأسطوانتك المعهودة..لقد صرت رجلا وآن لك أن تقر بذلك..شئت أم أبيت..أعرف الحياة..وأميز ماهو صائب مما هو خائب..اتركني أعيش حسب هواي, هناك, وراء هذا البحر, يكمن مستقبلي.."
قالها وكله ثقة, مشيرا بيده نحو البحر الممتد في الأفق الأسود
الأب دون يأس, متشبت بالأمل لأقصى الحدود:
"بالله عليك بني..ما كل هذا العناد..أنت مازلت غرا في نظري, لا تدع أهواءك تسيرك نحو الهلاك, كف عن مطاردة الأوهام, انفضها من رأسك..لم تعد تلك البلاد تحقق الأماني, صارت مصيدة للشباب أمثالك, انها الشمعة التي تحرق الفراشات البلهاء الطامعة في الدفء..بالله عليك بني..أرجوك.."
استدار الابن مبتعدا, تاركا والده خلفه, وعقله يسبح في الفضاء, قاطعا البحار, نحو تلك البلاد, حيث تتحقق الأحلام والأمنيات. منتشيا بأفكار وردية معسولة لا تقاوم..
بعد سنوات معدودة, غداة أصيل بارد, حيث الشمس تتراقص بألوانها الأرجوانية المائلة للشحوب, والسحب في عناق طويل معها في وداع آخر ككل يوم..
ظلان طوليان يتحركان ببطء وتؤودة, الأب, والابن وقد صار رجلا, ملامح صلبة تعكس المعاناة الحية للحياة, نظرات الأمس المفعمة بالأحلام والطموحات, خبت, وحلت محلها نظرات ألم دفين مستتر في الأعماق..
الأب تعمه فرحة طغت على أحاسيس الخيبة على ابنه الضال العائد بعد غربة مريرة, يضمه الى صدره في حنو آسر قائلا في هدوء:
"ارفع رأسك بني..لا تنهزم لأفكارك السوداء, أنت رجل..قاسيت الألم وعاندته, استسلمت وعدت الى الديار, تلك فقط جولة واحدة, هزمت فيها..ولكن الحياة جولات, والطريق قدامك طويل وكله أمل..ذقت المر وأنت عود غض, والآن..انظر الى الوجه المشرق, لقد صرت صلبا لا تلين, لقد صيرتك الغربة رجلا قبل الأوان وهذه أكبر المغانم.."
الابن والدموع تنساب في مرارة ممزوجة بشوق جارف, ينخرط في نشيج حار, متمسكا بحضن والده الدافئ أبدا. هذا الأخير, ينظر عبر عبراته نحو السماء, حيث القمر والنجوم من حوله في توهج وتوهج..
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.soufianisse.skyblog.com
 
لقاء آخر..
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى نجم :: همس الكلمات :: القصص و الروايات-
انتقل الى: